تابعني على اليوتيوب قناتي MRUAE81

22‏/01‏/2009

ما ذنبي أنا ؟ ... و ما ذنب أبي ؟




وضعت المفتاح في ثقب الباب

- باب الغرفة التي لم تفتح منذ عهد أبويها و هما على قيد الحياة -

و أدارته قليلاً

ثم التفتت إلى الخلف تنظر إلى أم أحمد

و كـ أنها تبحث عن تأييد لما تفعل

لكن أم أحمد متسمرة في مكانها و لا تريد أن تعطيها إيحاءً بـ هز رأسها

فـ القرار قرارها و المصير ومصيرها


فتح الباب و تساقط بعض الغبار من أعلاه

مصباح الإضاءة لا يعمل و الغرفة رثة أرضيتها قديمة

و على أركانها اتخذت العناكب مهجعاً لها

بها مقتنيات و أغراض و فساتين معلقة لم ترها من قبل

" إنها لـ أمك " قالت أم أحمد


و بـ جوار الباب صندوق تصدعت جوانبه من قسوة الدهر

أزاحت غطاءه و كشفت مستوره

هي أوراق قانونية بعضها من المحكمة و البعض الآخر من دار لرعاية الأيتام

" ما هذه الأوراق ؟ " سألت علياء

" تعالي لأخبرك في غرفة المعيشة " تنهدت أم أحمد


" أبي لقيط !! "

و شرعت أم أحمد تكشف لها خبايا هذا البيت

فـ أبوها خرج إلى الدنيا جراء علاقة غير شرعية

تخلت أمه عنه و تبلدت أحاسيسها من أي مشاعر إنسانية

ترعرع في دار الأيتام لا يعرف أصله ولا فصله

و لم يذق طعم الأمومة و لا دفء الأسرة


أما أمها فـ أتت من أسرة ميسورة الحال

عانت من تسلط شقيقها الأكبر راشد و جفاء أسرتها


كانت إحدى مهام دار الأيتام هي محاولة التوفيق بين

لاجئيها لـ يتزوجوا فيما بينهم فقط

لكي لا يتعرضوا لـ الإهانة بـ الأقتران من العالم الخارجي

و يشعرون بالنقص كونهم أيتام بدون عائلة أو لقطاء من علاقة محرمة


لكن أباك رفض هذا المبدأ و أيقن أنه لا ذنب له يمنعه من الزواج

بـ من يختار كـ حال غيره من بقية البشر

التقى أمك عبر شبكة الإنترنت و توضدت العلاقة بينهما

و ازدهرت مع الأيام ... يتخللها العفة و الإحترام و الحب

التقيا مرة و أخرى حتى وجد كل منها نصفه المكمل في الآخر


علمت أمك قصة أبيكي و لكن إخلاصها أكبر من أن تشوبه شائبة

تقدم أباك في طلب يدها و كانت النتيجة المعهودة و المؤلة

الرفض

لم تكن هناك جدوى من محاولة أخرى

و لم يوجد حل سوى الزواج سراً

لعل و عسى أن يرضخ ذويها لـ ذاك الوضع الراهن

لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن

فـ انتشر الخبر بين أهالي البلدة كـ النار في الهشيم

و تعالت زمجرة أخوها راشد من ازدياد اللمز عبر الطرقات

" اخرجي من البيت !! ارحلي عن هذه البلدة "

نظرت أمك إلى أيوها و الدموع تذرف على خديها

تستجدي العفو لكنه أشاح بـ وجه بعيداً

تأكيداً على قرار راشد


وجدت في قلب أباك سعادة لطالما أرادت أن ترتوي من عبقها

فـ توجب عليها الاختيار

بين أهل مستبدون و بين زوج حنون

*******

سرحت علياء طويلاً

قبل أن تنهض و تبحث بين تلك الأوراق على عنوان جديها

ابتسمت أم أحمد

حيث لن تعيش هذه الزهرة وحيدة في عالمها


استقلت القطار في اليوم التالي و معها حقيبة صغيرة

تصاحبها أفكار و تطلعات اللقاء المرتقب مع عائلة أمها

بالها مشغول حتى و هي تمشي إلى أسفل البلدة

سألت شيخ مسن صاحب دكان عن العنوان

" إنه قريب ... مجرد دورانك حول تلك الزاوية "


تنفست علياء بـ عمق و هي تطرق الباب

أطلت منه سيدة في متوسط العمر تحمل الكثير من ملامح أمها

" نعم يا آنسة ؟ " سألتها بـ لطف

ناولتها علياء شهادة ميلادها و قرأتها تلك السيدة


و شهقت شهقة و هي تمعن النظر في علياء بـ عينان

تهتزان من خليط صدمة فرح و مفاجأة

أرادت أن تحتضنها ثم ترددت و مدت يدها لـ تصافحها


" أنا خالتك سمية " و هي تناولها كوب من الشاي

" لقدت حزنت كثيراً لمفارقت أختي لنا "

" لكن لم يكن بوسعي فعل شي أمام خالك الذي يعيش هنا مع زوجته "

انتفضت علياء " و ماذا عن جدي و جدتي ؟ "

" الله يرحمهما ، لقد توفيا "

خيم صمت قليل بينهما و علياء تدقق في جنبات البيت ثم

" تعالي !! لـ أريك بعض صور العائلة "


جلستا بـ جوار بعض و هما يطالعان الصور بـ بهجة

و خالتها تروي لها الطرائف و المواقف في كل صورة

" هذه صورة أمك في حقلة تخرجها من الثانوية "

تذكرت علياء رؤية هذا الفستان في الغرفة المغلقة

يبدو أن أمها كانت تسترجع ذكريات عائلتها كلما جلست في تلك الغرفة

و كأنها مسكن مؤقت لـ ألم الفراق

مسحت علياء دمعة سالت من عينها بسرعة

" و من هذا الفتى الصغير ؟ "

" إنه خالك الأصغر مراد ، هاجر لبلد مجاور و استقر هناك "

استشعرت علياء نبرة حزن في رد خالتها الأخير

" لما لا تريني بقية أرجاء البيت ؟ "


" هذا غرفتي و تلك غرفة أخي و زوجه و هناك المجلس "

" و الغرفة بـ جنب المطبخ ستكون غرفتك "

" هيا نذهب لأريك إياها "


الغرفة خضراء اللون سريرها صغير و بها شباك يطل على ساحة البيت

سعدت علياء كثيراً بـ حفاوة و رقة خالتها

لكنها استغربت عدم زواجها رغم ما تملكه من مقومات أم ناجحة

" لماذا لم تتزوجي ؟ يا خالتي ؟ "

حاولت إخفاء امتعاضها من السؤال بـ ابتسامة شاحبة

" نصيب "

سكت برهة ثم

" عن إذنك "

*******

اقترب المساء

و حان عودة الخال راشد و زوجته بعد زيارة قصيرة لـ أهلها

استقبلتهما سمية و على عجالة أخبرتهما بـ القادم الجديد

اتسعت أعينهما بـ استغراب

" علياء ! يا علياء "

خرجت علياء إليهما و وقفت على بعد ثم تقدمت بخطوات ثقيلة

" أهلاً خالي "

" أهلين " أجابها بكل برود و هو مقطب الحاجبين

و زوجته تطالعها بـ ازدراء

صمت قاتل يسود الجو و علياء تنظر إلى الأسفل هرباً

من تعابير وجهيهما الفاترة لـ تلمح صغيراً خلفهما

" من هذا ؟ " سألت في شقاوة

" هذا فاكهة هذا البيت ، أحمد " قالت سمية

" أين العشاء ؟ " قطع صوت راشد الجهور رد سمية


جلس الجميع على مائدة الطعام لا يسمع سوى

طقطقة الملاعق على الصحون

افتقدت علياء أي شهية لـ الأكل

" لماذا لا تأكلي يا علياء ؟ " سؤال قادم من سمية

" أنا مرهقة بعض الشيء ، سأذهب لأنام تصبحون على خير "

******
في صباح اليوم التالي

استيقظت علياء على صوت ضحكات الطفل أحمد المرحة

و نظرت عبر الشباك لـ ترى أن أمه تحوال أن تلبسه ثيابه

و هو يقاومها بكل دلع الطفولة

" ما أجمله حب الأسرة " قالت في نفسها علياء

لمحتها زوجة خالها و دخلت هي و طفلها غرفة زوجها

" لست أدري ما سبب رفضها الحديث معي " تمتمت علياء

التفت يميناً لترى خالتها سمية تقلب في محطات التلفزيون

اغتسلت علياء و جلست مع خالتها ثم عادت لـ تقرأ كتاباً في غرفتها


مر اليوم عادياً طوال الوقت حتى عودة راشد من العمل

و هو يزأر و ينفث غضباً

" لا أريد أن نعاني ثانية ، اجعليها ترحل عن المنزل " يصرخ في وجه سمية

" أرجوك دعها تسكن معنا " سمية تجاوبه في توسل

" هل نسيتي ما فعلت أمها !! "

" ألم تكن هي السبب في فسخة خطوبتك من رياض !! "

ابتلعت سمية كلمة كادت أن تقولها

" ألم يهاجر مراد هرباً من عار الفضيحة !! "

" لم نهنأ يوماً منذ التحاقها بذلك اللقيط "

هذه الكلمات لم تكن موجهة إلى سمية بقدر تسديدها إلى مسامع علياء


كم كانت تلك الليلة موحشة بـ النسبة إلى علياء

فقد أيقنت أن ليس لها مكان هنا في هذا العالم

حزمت حقيبتها و حاولت أن تخلد إلى النوم

لكنها لم تستطع من شدة الكآبة التي تعصر قلبها

هناك رطوبة في الجو مع هبات عليل باردة

أقبل الفجر و أقفلت علياء باب غرفتها برفق

و اتجهت بهدوء تام نحو باب المنزل

و قبل أن تغادر نظرت نظرة أخيرة إلى البيت

و لسان حالها يقول


احتضن هذا المكان

أمي في فترة من فترات الزمان

و يأبى أن يضمني بين جدارنه الآن


أبي المسكين لم تكن له شجرة

و أمي استؤصلت من شجرتها


ورثت ذنبَّ ذنبٍّ لم يقترفه أبي

و أدفع ضريبة قرار أمي



الضباب يتسيد الممرات

خرجت

و ذهبت من حيث جائت

استمرت في مسيرها و هي قابضة على حقيبتها

و بيدها الأخرى تشد على معطفها

مرت بـ الشيخ المسن و هو يفتح دكانه

التفت إليها و هي تمشي بـ هوادة

ظل يرمقها من طرف عينه

إلى أن اختفت ...

في أعماق الضباب


تابعوني
يوتيوب
www.youtube.com/c/mruae81

أرسل الموضوع على:

0 comments:

إرسال تعليق

ادلو برأيك في الموضوع

أرشيف المدونة الإلكترونية

التسميات

أرشيف المدونة الإلكترونية

اضغط على المتابعة

Pages

قائمة المدونات

تسوق في أمازون

اضغط على التسميات